سعيًا لتفكيك البُنى العِرقية وضرب السيادة الوطنية

عداء العرب أساس التحالف الفارسي الغربي

عبر التاريخ كان الفرس دائمًا طرفًا في حملة الاستهدافات العدائية ضد العرب، ودائمًا بالارتكان إلى التاريخ نجد أن الفرس لم يواجهوا العرب مواجهة مباشرة، إلا فيما ندر، وهذا المعطى يمكن إثباته من خلال حملات سابور الأول والثاني، وأيضًا بالرجوع إلى قصة البرامكة مع هارون الرشيد، وكذا مؤامرات بن العلقمي ضد الدولة العباسية لفائدة التتار، ووصولًا إلى تواطؤ الفرس مع الغرب لاحتلال عاصمة الخلافة العباسية في التاريخ الحديث والمعاصر، من أجل ترتيب خارطة سياسية جديدة.

لقد كان الفرس دائمًا في قلب المؤامرات على الدول العربية، وهو ما يدفعنا إلى البحث للوقوف على خلفيات هذا التحالف وأهدافه ووسائله، وبالتالي استيعاب الدرس التاريخي الذي يفرض إعادة توحيد الجبهة العربية، وفق محددات تقطع مع التاريخ، وتنظر إلى مستقبل الشعوب التي لا تتحمَّل وزر وأخطاء من سبقوها أو حكموها.

إن إسقاط مُلك الإمبراطورية الساسانية على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتحرير فلسطين من أيدي المسيحيين، شكَّل قاعدة التحالف الموضوعي بين الفرس والغرب، بهدف تركيع العرب وتفكيك كياناتهم تحت محدِّدات دينية أو لغوية أو عرقية، ووفق هذا التوجه قدَّمت إيران نفسها للغرب على أنها النقيض الوجودي للعرب، ولذلك “كلما علا نجم إيران سيكون ذلك على حساب العالم العربي والإسلامي، ولا يعلو نجمها إلا بالتحالف مع الصليبيين ضد المسلمين”.

في هذا السياق مخطئ مَن يظن أن هناك عداءً صريحًا للغرب تجاه إيران، ومخطئ من يقول بأن أمريكا تريد قصَّ أجنحة الملالي، ولعل الرجوع إلى المراجع المُوجّهة للسياسة الخارجية الأمريكية وإستراتيجيتها في المنطقة تقطع بأن واشنطن تُصنِّف إيران في خانة “المحاور الجيوسياسية”، بل ويذهب سبغنيو يرجنسكي إلى أبعد من ذلك عندما يُصِرُّ على ضرورة حماية النظام الإيراني من السقوط بالنظر إلى طبيعة البنية العرقية الهجينة، وكذا وجود مقدمات موضوعية قد تعجِّل بسقوط نظام الملالي.

إن قراءة سريعة للمشهد العربي، خاصة على الساحتين العراقية والسورية، يقطع بأن استئصال شأفة العرب يبقى الهم الأول للغرب والشرق (في معناهما الأيديولوجي)، ولعل المتابع العربي قد لا يستوعب كيف أن روسيا ساهمت في التمكين لإيران في سوريا، فيما تكلَّفَت أمريكا بالتمكين لإيران في العراق، رغم الادعاء بأن مصالح موسكو وواشنطن على طرفَي النقيض.. فهل بدأنا نستشعر أبعاد هذه المؤامرة الخبيثة؟ وهل استوعب الجميع كيف تحالف الفرس والمعسكر الرأسمالي والاشتراكي على نقطة واحدة ووحيدة، وهي: إخضاع العرب باستعمال السكين الإيراني؟

الفرس دومًا على موعد مع المؤامرة ضد العالم العربي.

لقد أظهرت الأحداث المتسارعة في كل من العراق وسوريا أن هناك ترتيبات تتم في البيوت المظلمة، وبعيدًا عن الأضواء الإعلامية والأقلام الصحفية، وذلك من أجل إعادة ترتيب الأوضاع وتقسيم العالم العربي، المؤهَّل أكثر من غيره لرفض أجندات التمزيق والبلقنة، ولن ينسى العالم الغربي أن المكوِّن العربي هو الحاضنة العرقية للدين الإسلامي الذي نزل بينهم وبلسانهم، وبالتالي فهم يمتلكون أحد أقوى الأسلحة.

إن كتابات المنظِّر البروسي كارل فون كلاوزفيتز تجعلنا نكتشف مركز ثقل التحالف الفارسي الأمريكي الروسي، الذي يكمن في الهدف السياسي الأسْمَى الذي يجمع ويضبط العلاقة بين الأطراف، ويدفعها إلى تحالف موضوعي ولو في مستوى من المستويات.

ويمكن القول بأن هذا التحالف الخبيث يعمل على أجْرَأة إستراتيجيته من خلال ثلاثة مداخل أو نظريات أساسية:

النظرية الأولى: نظرية تفكيك البُنى الديمغرافية، وهذه النظرية تُعدُّ الأكثر خطرًا، وهي ذات أسلوبَين؛ الأسلوب الأول: يتمثل بقتل السكان وتخريب بيوتهم فوق رؤوسهم، والأسلوب الثاني: بالتهجير القسري.

النظرية الثانية: نظرية تفكيك الدول ذات السيادة، وذلك بتجزئتها إلى دويلات عرقية ومذهبية، وذلك حسب نظرية هرتزل التي دعا إليها مع نهاية القرن التاسع عشر، التي نشهد بعض إنجازاتها اليوم بقيام الدول ذات الطابع العرقي.

النظرية الثالثة: نظرية القضاء على المرافق الحيوية في الدولة ذات السيادة.

‎وهذه النظريات الثلاث هي التي تُتبنَّى من قِبل أنصار المشروعين، وهي التي تنفَّذ اليوم.

إن بروز دول عربية قوية لها تأثير حاسم في صياغة القرار السياسي الدولي يفرض عليها الدفع في اتجاه توحيد الرؤى، وتبنِّي مقاربة جماعية، الهدف منها الدفاع عن الوجود العربي، كهدف أدنى، ولما لا والاتجاه نحو فضاء عربي قوي يتجاوز الخلافات الهامشية ليؤسس لاستقلالية حقيقية وسيادة واقعية على القرار السياسي العربي.

  1. حسين صالح السبعاوي، “التحالف الفارسي الصليبي عبر التاريخ”، مقالة نُشرت على موقع “راسام” على الرابط https://rasammerkezi.com/estimate-position/7950/

 

  1. زبغنيو برجنسكي، رقعة الشطرنج الكبرى (د.م: مركز الدراسات العسكرية، 1999).

 

  1. عبد العزيز الحاج مصطفى، “المشروعان الصفوي الإيراني والصهيوني الصليبي.. الرؤية والتحليل”، مركز أمية للدراسات والبحوث الإستراتيجية.