مات التونسيون جوعًا مع احتلال العثمانيين لبلادهم

في تونس أجبر العثمانيون السكان على أكل الميتة وبيعها فقرًا

بالاستراتيجية ذاتها والوجه الاستعماري الوحشي الكاره للعرب والإسلام، كرر العثمانيون الأتراك في تونس معاناة الجزائر، حينما شكّل غياب مظاهر الدولة في عدة بلدان بيئة خصبة للبربرية العثمانية، وإن اختلف الأمر قليلًا في تونس التي كانت تُعَدُّ نواة لدولة تمتلك نوعًا من الشخصية القانونية جعلها ذلك تتفاعل مع محيطها الإقليمي بنوع من الاستقلالية الذاتية.

هذا الواقع السياسي أكد عليه خير الدين بربروسا في مذكراته بالقول: “أما تونس وتلمسان اللتان كان يحكمهما الحفصيون وبنو عبد الوادي فلم يعد لهما أهمية على الإطلاق”، ويبدو أن الوضع السياسي المهتز في تونس دفع بالعثمانيين إلى توجيه أطماعهم إلى هذا البلد بالنظر إلى موقعه الجغرافي على سواحل البحر الأبيض المتوسط، وأيضا لمحاولة ربطه بباقي دول شمال أفريقيا التي احتلها العثمانيون خاصة بعد سقوط مصر سنة (1517م).

وعلى نهجهم في الجزائر؛ استغل القراصنة الأتراك استفزازات الإسبان وتحرشهم بسواحل تونس من أجل عرض خدماتهم على سلطان تونس، مع محاولة تقديم تطمينات لهذا الأخير، بأنه ليست هناك نية لاحتلال بلده، وهي التقية التي أظهروها لكل حاكم عربي يريدون احتلال أرضه.

الظروف الداخلية التي عانت منها تونس كانت عاملاً مساعدًا لاحتلال الأتراك، حيث كانت تونس الحفصية تعيش صراعات داخلية، فاستنجد بعض الأهالي بخير الدين بربروسا، الذي كان ينتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر لدخول تونس وإخضاعها لسلطان العثمانيين بالنظر إلى موقعها الجغرافي المتميز على البحر الأبيض المتوسط وقربها الكبير من سواحل أوروبا وهو ما يشكل منطلقًا مؤاتيًا لحملات القرصنة التي يجيدها الأتراك.

وقد احتل الأتراك تونس، حين أقدم بعض الأهالي على مراسلة خير الدين لتخليصهم من السلطان الحسن، وهو ما تفاعل معه بالإيجاب، ولم يتردد في تنظيم حملة على تونس شرع في تحضيرها في نفس السنة، لينجح في احتلالها سنة (1574). ولعل الانضباط لنقطة البحث يجعلنا نقتصد في الحديث عن مراحل إخضاع تونس لسلطان القراصنة، والتركيز بالمقابل على مظاهر التوقف الحضاري والعقم العلمي والمعرفي الذي ضرب تونس خلال هذه الفترة من تاريخ هذا البلد المغاربي، والتي دفعت البعض إلى تشبيه فترة الاحتلال العثماني بالمقبرة التي أتت على كل ما هو جميل في تونس الخضراء.

وتكاد تجمع الروايات على أن الأتراك، منذ دخولهم تونس، عملوا على إثقال كاهل العامة بالضرائب التي كان يذهب ريعها لبناء القصور وزرع الضياع، وأعملوا السيف في رقاب المخالفين حيث قتلوا ونهبوا وسلبوا وأفقروا سكان تونس من أجل توطيد أركان استعمارهم، هذا الوضع يصفه المؤرخ الإسباني، دي هايدو بالقول: “راح خير الدين بربروسا يستعمل كل عبقريته على جمع كل الثروات اللازمة، حسب ما يقوم به المستبدون وقد كان يتحصل عليها مرة بالترهيب والإكراه، وأخرى بالعنف على الطريقة التركية… فنهبَ كثيرًا من دون أن يلقى مقاومة”.

تُجمع الروايات التاريخية على استعباد العثمانيين لأهل تونس على غرار السرقة والقتل وفرض الضرائب وإفقار البلاد

لقد ظلت تونس تعاني من استعمار عثماني همجي؛ لأنها خضعت على يد القراصنة الأتراك القادمين من الجزائر، الذين لم يكن يهمهم إلا امتصاص خيرات تونس واستغلال موقعها الاستراتيجي، فأنهكوا أهلها بالضرائب وامتهنوا كرامتهم، وحاولوا القطع مع الهوية المذهبية للبلد من خلال محاولة إحلال المذهب الحنفي محل المذهب المالكي، وهو ما دفعهم إلى تهميش أي دور لجامع الزيتونة إذ لم نقف على أي مظهر من مظاهر الإشعاع الديني والعلمي لهذا المَعْلَم التي اقترن اسمه بالانتشار الحضاري والإشعاع الديني لتونس.

ولعل ما كتبه المؤرخ الجزائري، ابن المفتي يلخص حال ومآل أهل تونس تحت الحكم التركي حيث يقول: “وحوصرت القيروان وامتازت بالقمح إلى أن وصل ثمن الصاع إلى ستين ريالا، وبلغ بهم الحال أن بيع دم الحيوانات المذبوحة، وأكل الناس نواة البلح وطحين النخل، وباع المياسير ما يملكونه ومات الفقراء، ولم يكن من النادر رؤية ناس لم يتذوقوا الطعام منذ يومين أو ثلاثة”.

  1. مذكرات خير الدين بربروسا، ترجمة: محمد دراج (الجزائر: شركة الأصالة، 2010).

 

  1. صالح عباد، الجزائر خلال الحكم التركي 1514-1830 (الجزائر: دار هومه، 2012).

 

  1. فراي ديغو هايدو، تاريخ ملوك الجزائر، ترجمة: عبدالعزيز الأعلى (الجزائر: دار الهدى، 2013).

 

  1. شوقي الجمل، المغرب العربي الكبير (القاهرة: مكتبة الأنجلو، 1977).

 

  1. عبد الحميد هنية، تونس العثمانية، ط2 (تونس: تبر الزمان، 2012).

 

  1. محمد الهادي الشريف، تاريخ تونس من عصور ما قبل التاريخ إلى الاستقلال، ترجمة: محمد الشوش ومحمد عجينة، ط3 (تونس: دار سزاس، 1993).

 

  1. ابن المفتي حسين بن رجب شاوش “تقييدات ابن المفتي في تاريخ باشوات الجزائر وعلمائها”، تجميع فارس كعوان، 2009.