بذريعة التحالف مع الأوروبيين

كيف سوَّغ العثمانيون أطماعهم في الجزائر ضد السلطة المحلية؟

إن دراسة تاريخ الاحتلال التركي لشمال إفريقيا، وتجميع الوثائق التاريخية والقرائن المادية، يقطعان بأن إخضاع المنطقة لحكم الباب العالي ساهمت فيه مجموعة من عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، اجتمعت كلها، لتجعل من الجزائر وباقي الإمارات ضحية لأسوأ حقبة استعمارية خضعت لها المنطقة.

بالمقابل، كان تدبير الأخوين عروج وخير الدين بربروسا على عكس ما تمناه سكّان مدينة الجزائر، إذ اعتبر القراصنة بأن إخضاع المدينة ما هو إلا مرحلة في مسار تأسيس دولة لهم غرب العالم الإسلامي، وبأن الجزائر تمثل قاعدة سياسية لتوسيع حدود الدولة الجديدة، وأيضا موقعًا استراتيجيًّا لمواصلة عمليات القرصنة وإقلاق “العدو” على الناحية الأخرى من المتوسط.

لقد غيّر الأخوان بربروسا من تكتيكات الانتشار بعدما تبين لهما بأن إخضاع الجزائر سيكون أقل تكلفة من مغامرة غير مأمونة العواقب في اتجاه مصر، إذ كانت الهدف الأول لمخططات عروج بربروسا، وهو ما يشير إليه المؤرخ الجزائري مبارك الميلي، بالقول: “كان عروج في مدينة جيجل عندما بلغه طلب سكان الجزائر، آنذاك تحوّل بتفكيره عن احتلال مصر، ورأى أن الفرصة سنحت وأن الظروف تهيأت لإقامة حكم جديد في الجزائر يكون خالصا له ولأخيه”.

بمجرد السيطرة على الجزائر واحتلالها تعامل العثمانيون عن طريق قرصنتهم مع الأهالي بالقتل والبطش من دون ذنب.

في هذا الصدد، وبعد إعلان عروج نفسه سلطانا على الجزائر مكان حاكمها المغدور بدأ في تنزيل مخططه الجديد والبداية كانت من إمارة تنس حيث التهمة كانت جاهزة؛ موالاة الكفار الإسبان ضد المسلمين، وعلى إثر ذلك جهز عروج جيشًا قوامه ألف وخمسمائة جندي لمواجهة شيخ تنس.

وحيث إن الهدف هو احتلال أكبر عدد من المناطق، فقد نجح عروج في الاستيلاء على المدية ومليانة في الوقت الذي نجح فيه خير الدين في احتلال دلّس ونواحيها، ومع وصول جيش عروج إلى نواحي مدينة البليدة اصطدم بجيوش شيخ تنس، فوقعت بين الطرفين حرب حامية الوطيس انتهت بانتصار عروج، فأجهز على الهاربين من جيش تنس إلى أن دخلها بعد أن أزهق أرواح آلاف المسلمين الذين لم يستوعبوا أن يحكمهم قرصان تركي مجهول الأصل والنسب والدين والانتماء.

لم يكن استيلاء عروج على تنس ليخلو من مظاهر إجرامية متطرفة، ولم يكن القرصان لِيَتَخَلَّق بأخلاق المسلمين، بل أثخن في شيخهم وفي عصبته بدون حكم قاضٍ أو شهادة شاهد. هذا المشهد الدموي يرويه خير الدين بربروسا في مذكراته بالقول: “ثم أشار على الفور إلى الجلاد أن اضرب عنق الخائن (أمير تنس) قبل أن يدعو بعدد من رؤساء العرب للمثول بين يديه…ثم أمر بضرب أعناقهم أيضا”.

لم يكن احتلال تنس، إلا محطة في مسار دموي عانت منه المنطقة لأكثر من ثلاثة قرون، كانت كافية لإيقاف عقارب الزمن وإرجاع مسلمي المغرب الأوسط إلى قرون من التخلف والبوار الحضاري والإفلاس الثقافي في ظل حكم شمولي يستعلي بالعرق ويستقوي بالعجم ويحتقر السكان الأصليين ويستحل الدماء والأعراض.

بعد تنس كان الدور على إمارة تلمسان، التي اعتبرها عروج بأنها أصل القلاقل والفتن، وهو ما دفع إلى طرح سؤال بَدَهِيِّ: كيف يمكن وصف منطقة بأنها أصل الفتن وهي لم تخضع يوما لسلطان الأتراك وظلت تحتفظ باستقلالية تامة عن باقي السلالات والإمارات؟ هذا الواقع المادي والسياسي يشهد به بربروسا نفسه، حين يقول: “فقد كانت مدينة كبيرة تقع في أقصى غرب الجزائر على حدود فاس، كما كانت تحكم من طرف أسرة حاكمة منذ أمد بعيد”.

تقاسم قراصنة الترك أراضي تلمسان ووزعوها بين قادتهم.

سقطت تلمسان على غرار باقي الإمارات المستقلة، وخرج سكانها وهم على غرابة ينظرون إلى الأتراك الذين لم يرونهم ولم يعرفونهم من قبل وخاصة عروج، فاستقبلوهم بالأفراح، غير أن مشاعر الأفراح بدخول الأتراك تحولت إلى أتراح ومعاناة، إذ بدأ عروج بالاستيلاء على أملاك الملك الزياني، قبل أن يعمد إلى أخذ ما أمكن من نقود وأراضي تلمسان، وراح يصرفها على الجيش وإعطاء الهدايا إلى أتباعه.

كانت هذه بعض مظاهر الاحتلال والإذلال التي مارسها القراصنة الأتراك في حق سكان المنطقة، وهي نفسها معاملة المحتل الغاصب الذي يبدأ بنثر العهود وقطع الأيمان لينتهي أمره بنكث الوعود وضرب الرقاب.

  1. مذكرات خير الدين بربروسا، ترجمة: محمد دراج (الجزائر: شركة الأصالة، 2010).

 

  1. فراي ديغو هايدو، تاريخ ملوك الجزائر، ترجمة: عبدالعزيز الأعلى (الجزائر: دار الهدى، 2013).

 

  1. مبارك الميلي، تاريخ الجزائر في القديم والحديث (الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، د.ت).

 

  1. صالح عباد، الجزائر خلال الحكم التركي 1514-1830 (الجزائر: دار هومه، 2012).