أوقعا أهالي الجزائر في الفخ

الأخوان "بربروسا"... أتقنا غدر العرب على الطريقة العثمانية

في الوقت الذي خذل فيه العثمانيون مسلمي الأندلس، وتركوهم لمواجهة مصيرهم مقابل الإسبان والبرتغاليين ليكونوا لقمة سائغة؛ لم يكتف الترك بموقف الخذلان، بل وضعوا أعينهم على المغانم التي كان يسرح بها الإسبان بعد أن انتقلوا من الأندلس بتوجيه ضرباتهم على سواحل المغرب العربي شمالي أفريقيا، ومحاولة زرع حاميات على الأطراف.

ولكي يكسب الترك الجولة في اقتناص مغانم باحتلال بقعة جغرافية عربية جديدة؛ كانوا يعون أن العرب المسلمين على اضطرار بالاستنجاد بهم على اعتبار الدين المشترك، لولا أن الصورة الذهنية وقتها لم تكن قد نسيت ما أحدثه العثمانيون في مصر بعد أن أسقطوا المماليك في العقد الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، إذ لم يكن دخولهم القاهرة أقل جرمًا ولا استباحةً مما فعله أبناء عمومتهم المغول حين أسقطوا بغداد، إذ جاهروا بالمعاصي واستباحوا الأعراض والأموال، واستعبدوا الناس، ونهبوا المقدرات والخيرات.

الذين خذلوا الأندلس كانوا قادرين على ظلم المغرب العربي بكل جرمٍ وجبروتٍ وتجهيلٍ.

كان الجزائريون كالمستجير من رمضاء الإسبان بنار الترك العثمانيين، الذين دخلوا مياه البحر الأبيض المتوسط في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العالم الإسلامي والمنطقة العربية على وجه الخصوص، إذ لم يكن دخولهم وابتداؤه كما يدعي بعض المؤرخين لنصرة الأندلسيين بقدر ما كان عملية نقل ومساهمة في تهجير العرب من الأندلس بالاتفاق مع الإسبان من الشواطئ الإيبيرية إلى الشواطئ العربية في شمالي أفريقيا.

الإسبان كانوا على دراية كبيرة من أن سقوط الأندلس بالنسبة للمسلمين وسكانها العرب لن يمر بمجرد الخضوع لمحاكم التفتيش والتهجير المنظم بمساعدة العثمانيين، الذين رموا العرب على الشواطئ بينما نقلوا يهود إسبانيا إلى حضن الدولة العثمانية الدافئ في إسطنبول.

لذلك أراد الإسبان أن ينقلوا أرض المعركة مع عرب الأندلس والمسلمين الداعمين لهم إلى المناطق العربية في المغرب العربي، لإشغالهم بالمحافظة على أرضهم بدلاً من المطالبة بعودتهم إلى الأندلس، خاصةً أن العرب الذين جاؤوا إلى المغرب العربي كانوا يؤمنون بعودتهم وتحرير أرضهم، لكن مع السيناريو الذي فرضه الإسبان أصبح الأندلسيون في وضعٍ آخر يحاول إبعاد الأرض الجديدة عن تكرار المآسي الإسبانية.

حدثت سيناريوهات في التاريخ صورت وجود العثمانيين في المغرب العربي على أنهم حماة الدين والأرض، بينما كان يحكي الواقع التاريخي جريمة منظمة بدأت مع وصول اثنين من القراصنة المنتمين إلى الثقافة التركية العثمانية. وبدأت تفاصيل السيناريو على إثر ما نشره الإسبان على طول الساحل الشمالي لإفريقيا ابتداءً من طرابلس الغرب إلى المغرب الأقصى من محطات عسكرية اتخذها الإسبان جيوبًا لهم، مما شكل تهديدًا للوجود العربي الإسلامي في شمالي أفريقيا، وهذا يفسر الاستراتيجية الإسبانية في حماية مكتسباتهم في إيبيريا بنقل جغرافية الصراع.

وفي ظل هذه الأجواء المضطربة في بلاد المغرب العربي بدأت قصة قراصنة الدولة العثمانية عروج ريس المعروف بـ (بابا عروج) وخضر ريس المعروف بـ (خير الدين بربروسا)، حيث كانت كلمة “رئيس” العربية تُطلَق على رُبَّانِيِّيِ السفن العثمانية، وتغير اللقب بعد ذلك في فترة متأخرة من القرن السابع عشر إلى لقب “قبطان”.

الأخوان عروج وخضر يعود أصلهما إلى اليونان وتحديدًا جزيرة مدللي، وأبوهما يعقوب كان قد أُخِذ سنة (1462) من عائلة جنوية تسكن الجزيرة أيام محمد الثاني. وكان لابنيه “بربروسا” نشاطهما البحري في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبصفة خاصة في العمليات التي تخدم العثمانيين ضد فرسان جزيرة رودس، ثم انتقل نشاطهما إلى غرب المتوسط؛ إذ أصبحت جزيرة جربة- بين طرابلس وتونس- منذ عام (1510) مركزًا لهما، ثم انتقل نشاطهما البحري بعد ذلك إلى ميناء حلق الوادي بتونس.

ومع ضيق أهالي الجزائر من الهجمات الإسبانية والجيوب والحاميات التي تتهددهم لجأوا إلى الأخوين بربروسا، ظنًا من الجزائريين أن العثمانيين وقراصنتهم سيكونون درعًا حاميًا لهم من الإسبان، لذلك سهلوا الأمر للأخوين بربروسا في الوصول إلى مدينة الجزائر، وحاول الإسبان إخراجهما من الجزائر عن طريق البحر لكنهم فشلوا في ذلك، وبقي عروج في الجزائر، وكان الإسبان يحاصرونه، وأصيب في مواجهات الحصار بإصابات بالغة مات على أثرها في عام (1518).

وبوفاة عروج تولى مكانه خضر ريس، الذي عُرِف بلقب بربروسا أي صاحب اللحية الصهباء، وأدرك أنه لا يستطيع مواجهة التحدي الإسباني في منطقة المغرب العربي بمفرده، فعمل على الاتصال بعاصمة العثمانيين إسطنبول، وأعلن عام (1520) أن الجزائر أصبحت محتلة عثمانية وغلف ذلك باسم ولاية عثمانية، فأرسل السلطان العثماني سليمان القانوني إلى بربروسا فرمان الإمارة وبعض السفن الحربية وألفين أو ثلاثة آلاف من العسكر، كما سمح بإرسال المتطوعين لبربروسا من الأناضول ومنح هؤلاء المتطوعين امتيازات الإنكشارية.

ولم تكن البحرية العثمانية بالقدر الذي تنافس فيه القوة البحرية الأوروبية، لا سيما بعد النجاحات الذي أحرزتها التحالفات الأوروبية شرق المتوسط، لذلك اتجهت أنظار العثمانيين إلى بربروسا ليكون الرجل المناسب لإنقاذ بحريتهم من الأخطار، لذلك عينه السلطان العثماني برتبة أمير الأمراء “بكلربك” وجعله مشرفًا على جميع الترسانات البحرية العثمانية.

وبالفعل، قام بربروسا بمحاولة جعل البحر المتوسط بحيرة عثمانية؛ إذ استولى على تونس في عام (1534)، لكن هذه الضربة أثارت القوى المحلية التونسية التي ضعفت مع قوة القراصنة في الدفاع عن أرضها حيث قام الإسبان باحتلال المدينة عام (1535)، لتستمر المعارك في حوض شرق البحر المتوسط بين كرٍّ وفّر لسنواتٍ طويلة.

لكن وعلى الرغم من أن الحرب كانت دائرة بين القوى المحلية والإسبان، ودخول قراصنة الترك على الطريق؛ إلا أن عروج وبربروسا لم يكونا ليُفَوِّتا فرصة في الوقت الذي تسنح لهما فيه حتى يكشروا عن أنياب العنصرية العثمانية، ويسوموا العرب سوء العذاب، ويضغطون عليهم باعتبار قوميتهم المتسلطة، ليُقْنِعُوا العرب أنهم درجة أدنى منهم.

  1. مبارك الميلي، تاريخ الجزائر في القديم والحديث (الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، د.ت).

 

  1. حسان كشرود، رواتب الجند وعامة الموظفين وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية بالجزائر العثمانية، رسالة ماجستير، جامعة منتوري (2007).

 

  1. وليد فكري، الجريمة العثمانية (القاهرة: الرواق للنشر والتوزيع، 2021).

 

  1. مذكرات خير الدين بربروسا، ترجمة: محمد دراج (الجزائر: شركة الأصالة، 2010).

 

  1. صالح عباد، الجزائر خلال الحكم التركي 1514-1830 (الجزائر: دار هومه، 2012).

 

  1. عبدالقادر الميلق، تأثير ثورات الموريسكيين الأندلسيين على العلاقات الجزائرية الإسبانية، رسالة ماجستير، جامعة غرداية (2012).